لماذا لا نعرف كيف نختلف ؟
طباع البشر ليست على سجية واحدة ، ولا على منوال موحد ، والحياة باتساع آفاقها تحوي أصناف وأصناف من السمات البشرية والأنماط الشخصية التي تتوزع على كل فرد على حده .
ومن هذا المنطلق قد تجد في حياتك من يوافقك في كل شيء فتتناغم الأرواح وتتآلف القلوب طالما كان الإتفاق يسري في حنايا النفس .
وعلى النقيض من ذلك قد تتنافر القلوب وتتباعد الأرواح فيتحول الود إلى جفاء ، والصفاء إلى بغضاء طالما كان الإختلاف تتسع هوته كلما أصر كل ذي رأي على رأيه .
ليس مطلوباً منك أن تصنع شخصية مكررة طبق الأصل منك أنت ، لك رأيك ولغيرك رأيه الشخصي ، وكلاكما يحتمل الخطأ ، والقاعدة الأصولية تقول : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
لك أن تحترم رأي غيرك ولغيرك أن يحترم رأيك بأسلوب حواري ناجح مغلف بتبادل وجهات النظر دون ارتفاع أصوات ، أو محاولة الإقناع الجبرية مع الإحتفاظ برباط الأخوة والمحبة .
نحن للأسف في عالمنا العربي لا نعرف استراتيجية ومنهجية وآداب الإختلاف إلا على نطاق ضيق .
لماذا بكل بسهولة ـ إذن ـ يؤدي الإختلاف مع الزوجة فوراً إلى الطلاق ، ومع المدير إلى الفصل ، ومع الصديق إلى القطيعة ؟!.
لماذا يعتبر الزوج إدلاء المرأة برأيها الذي يختلف معه كسر لرجولته وانتقاص من شأنه ؟! .
لماذا عند أدنى خلاف مع المدير يكون مصير الموظف المسكين الفصل من عمله ؟! .
لماذا عندما يحاول الإبن إبداء رأيه مع أبيه أو معلمه لا يسمح له بذلك بل يعتبرونه إساءة لهم ؛ لأن ذلك السلوك في نظرهم من باب : ( قلة الأدب ) !!! .
لماذا عندما يقع أتفه خلاف مع الصديق يكون العلاج الفعال قطع الأواصر ومحو ذلك الصديق من الذاكرة ؟! .
لماذا يكال للأقارب والأباعد الصاع صاعين لأدنى اختلاف في وجهات النظر ؟! .
لماذا يتحول الإختلاف في الرأي إلى عداء وسل للسيوف وحلبة للمصارعة وقاتل ومقتول ؟! .
لماذا لا نتقبل النقد بصدر رحب ونقبل النصح ونحترم وجهة نظر الطرف الآخر ؟! .
لماذا نحيط أنفسنا بهالة من النزاهة والقداسة وكأن الباطل لايأتينا من بين يدينا ولا من خلفنا ؟!
حينما يحتد النزاع وتتسع هوة الخلاف وتندلع الألسنة وتتطاير العبارات التي لا تليق بمسلم أن ينطق بها ، في هذا الموقف يحسن بأحدهما أو بأعقلهما أن يوقف لظى تلك الحرب الضروس وينسحب من هذا الجدل العقيم مستشعراً قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ) صحيح الجامع .
في هذه اللحظة التي تهجر فيها الجدال حتى لو كنت محقاً وعلى صواب ، ربما تنعم بتلك العطية الجليلة ، وهي الفوز ببيت في ربض الجنة ، وما أعظمها من بشارة !
لقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أوسع الناس صدراً لمن يختلف معه ، حليماً ، صبوراً ، صفوحاً يتقبل الإساءة ويتجاوز عنها ، بل ويقابل السيئة بالحسنة ، كيف لا وقد أدبه ربه فأحسن تأديبه حتى كان قرآناً يمشي على الأرض ...
وكذلك سلفه الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ لم يكن اختلافهم سبب لتفرقهم ؛ لأن قلوبهم أسمى وأرفع من أن ينال منها شيء ، ولذلك بشر صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي استهل بطلعته عليهم ، بشره بأنه من أهل الجنة ؛ لأنه لا ينام وفي قلبه غل على مسلم ..
إن الإنتصار للنفس ، وحب الإنتقام ، ورد السيئة بمثلها ليست من أخلاق الإسلام في شيء ، ولو أننا رجعنا إلى تعاليم القرآن ، ونهلنا من معينه الذي لا ينضب لما كان حالنا نحن المسلمين هكذا ، لكننا أدرنا ظهورنا وصددنا عن الحق المبين حتى أطعنا الشيطان فزين لنا سوء أعمالنا ، وبذلك فقدنا المرجعية الحقة ، ونسينا أنها مصدر عزنا وسؤددنا وطريق نجاتنا وسر سعادتنا مدى الأيام .