"دعه وشأنه، دعه في حصاره فأنت محاصر أيضاً"، جملة أعجبتني، أنهى بها أحدهم تعليقه على ما جرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وتنظيم "جند أنصار الله" في جنوب قطاع غزة، فلم يكد ينتهي أمير التنظيم الشيخ عبداللطيف موسى من إعلان ولادة (الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس) من فوق منبر مسجد بن تيمية، حتى اشتعلت الأوضاع بين مجموعته وحماس، فقتل مع زوجته واثنين من أبنائه بعد تفجير المنزل الذي كانوا يتحصنون به، إضافة إلى من قتلوا واعتقلوا من عناصر التنظيم في المواجهات.
لم يختلف اثنان حول رفض واستنكار ما فعلته "أنصار الله" ونعته بأنه كان عملا غير حكيما، وأنها حقاً فتنة ابتلي بها الفصيل الوليد جراء اجتهادات خاطئة، كما ابتليت بها حماس وأعضائها، بل ابتليت بها غزة بأكملها وفلسطين من أطرافها إلى أطرافها. لكن أيضا ليس من السهل تقبل الأسلوب الذي لجأت إليه حماس لتفادي تفاقم الأمر أو خروجه عن حد السيطرة.
أسفرت الاشتباكات عن أرقام مفزعة، وكان ملفتاً استخدام مسميات وأوصاف من قبيل "أصحاب الفكر التكفيري"، و"الخارجون على القانون"، و"الجماعة المنفلتة".. فإذا كان يعاب على الدكتاتوريات التي ابتلي بها العالم الإسلامي استخدامها المفرط للقوة في وجه أي معارضة تظهر لها من بين مواطنيها، ومحاولة إلصاق التهم بهم وتشويه صورتهم إعلامياً، فمن باب أولى أن يعاب الأمر ذاته على حركة إسلامية مشهود لها، قدمت العديد من التضحيات التي لا يمكن للأمة أن تنساها.
ربما كان صادقا موسى وأنصاره وهو يعلن أن الإمارة ستقام ولو على جثثهم، لكن حتى الجثث لم تكن كافية للإمارة الإسلامية التي أراد ولادتها دون أي مقومات... جزء كبير من حقيقة الأحداث ما زال ضائعاً، لا أشك في ذلك، خاصة وأن تضارب الأقوال والتقارير التي تناولت توجهات الرجل والأهداف التي كانت تقف وراء إعلانه الإمارة بلغت حداً غير مسبوق، فهو تكفيري متشدد وأحياناً عميل في شريعة حماس ومؤيديها، وهو مولى مجاهد وشهيد لدى أنصاره ومن ذهب مذهبهم.
في معرض تعليقه على الأحداث، قال رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية مفسراً ما أقدمت عليه الحركة: إن "الاشتباكات التي جرت في رفح فرضت علينا"، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لأن يبرر حجم القوة التي استخدمتها الحركة واقتحامها أحد بيوت الله لاستهداف من فيه بالأسلحة الثقيلة حتى قتلهم. ففي نعيه زعيم "جند أنصار الله" قال مدير مركز (المقريزي) في لندن د.هاني السباعي: "عندما رأيت الطلقات النارية والقذائف (...) خيل إلي أن الكيان الغاصب لفلسطين! قد اقتحم المسجد".
لأن يهون دم المسلم على أخيه المسلم إلي هذا الحد، وإن كان يخالفه التوجه السياسي والفكري والحركي، فهو أمر يستحق لأن نفزع له... ولعله من الأولى أن تبذل في سبيل حلحلة مثل هذه الخلافات كل طاقة ممكنة قبل أن يدعي الطرف الأقوى أنه لم يعد من حل أمامه لكبح جماح الخارجين عليه سوى السلاح.
توعدت "أنصار الله" بالثأر من حماس على مقتل زعيمها ومن معه، ما يشير إلى أن غياب عبداللطيف موسى ربما لم يكن المشهد الأخير للحدث، وأن فصولاً من الانتقام قد تتابع، وفي بيان النعي أوردت الجماعة عتابا مشوبا بالحسرة، فخاطبت الحركة الحاكمة في غزة قائلة: "غزونا بني صهيون في عقر دارهم ورجعنا لأهلينا سالمين غانمين.. فقتلوا علي أيديكم (...) تحت بند أننا قاعدة وتكفيريين"، نافية الاتهام "لم نكفر أحد، ولسنا تبعاً للقاعدة".
هي حلقة إذاً من (الفتنة) التي تجري الآن على أشدها بين إسلاميين، في عديد من بقاع العالم في (الصومال والعراق وباكستان) وهم أول ضحاياها... ومهما كان حجم ودور العامل الخارجي في إشعالها فهم وحدهم المطالبون إلى الإسراع لتداركها وتفادي أثرها البعيد والقريب على دعوتهم، والرسالة التي يحملوها، قبل أن يتهم الإسلام بهم، أو يتخذ المتربصون هذه الأحداث ذريعة لمزيد من الإجرام والاستعداء في حقهم
لم يختلف اثنان حول رفض واستنكار ما فعلته "أنصار الله" ونعته بأنه كان عملا غير حكيما، وأنها حقاً فتنة ابتلي بها الفصيل الوليد جراء اجتهادات خاطئة، كما ابتليت بها حماس وأعضائها، بل ابتليت بها غزة بأكملها وفلسطين من أطرافها إلى أطرافها. لكن أيضا ليس من السهل تقبل الأسلوب الذي لجأت إليه حماس لتفادي تفاقم الأمر أو خروجه عن حد السيطرة.
أسفرت الاشتباكات عن أرقام مفزعة، وكان ملفتاً استخدام مسميات وأوصاف من قبيل "أصحاب الفكر التكفيري"، و"الخارجون على القانون"، و"الجماعة المنفلتة".. فإذا كان يعاب على الدكتاتوريات التي ابتلي بها العالم الإسلامي استخدامها المفرط للقوة في وجه أي معارضة تظهر لها من بين مواطنيها، ومحاولة إلصاق التهم بهم وتشويه صورتهم إعلامياً، فمن باب أولى أن يعاب الأمر ذاته على حركة إسلامية مشهود لها، قدمت العديد من التضحيات التي لا يمكن للأمة أن تنساها.
ربما كان صادقا موسى وأنصاره وهو يعلن أن الإمارة ستقام ولو على جثثهم، لكن حتى الجثث لم تكن كافية للإمارة الإسلامية التي أراد ولادتها دون أي مقومات... جزء كبير من حقيقة الأحداث ما زال ضائعاً، لا أشك في ذلك، خاصة وأن تضارب الأقوال والتقارير التي تناولت توجهات الرجل والأهداف التي كانت تقف وراء إعلانه الإمارة بلغت حداً غير مسبوق، فهو تكفيري متشدد وأحياناً عميل في شريعة حماس ومؤيديها، وهو مولى مجاهد وشهيد لدى أنصاره ومن ذهب مذهبهم.
في معرض تعليقه على الأحداث، قال رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية مفسراً ما أقدمت عليه الحركة: إن "الاشتباكات التي جرت في رفح فرضت علينا"، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لأن يبرر حجم القوة التي استخدمتها الحركة واقتحامها أحد بيوت الله لاستهداف من فيه بالأسلحة الثقيلة حتى قتلهم. ففي نعيه زعيم "جند أنصار الله" قال مدير مركز (المقريزي) في لندن د.هاني السباعي: "عندما رأيت الطلقات النارية والقذائف (...) خيل إلي أن الكيان الغاصب لفلسطين! قد اقتحم المسجد".
لأن يهون دم المسلم على أخيه المسلم إلي هذا الحد، وإن كان يخالفه التوجه السياسي والفكري والحركي، فهو أمر يستحق لأن نفزع له... ولعله من الأولى أن تبذل في سبيل حلحلة مثل هذه الخلافات كل طاقة ممكنة قبل أن يدعي الطرف الأقوى أنه لم يعد من حل أمامه لكبح جماح الخارجين عليه سوى السلاح.
توعدت "أنصار الله" بالثأر من حماس على مقتل زعيمها ومن معه، ما يشير إلى أن غياب عبداللطيف موسى ربما لم يكن المشهد الأخير للحدث، وأن فصولاً من الانتقام قد تتابع، وفي بيان النعي أوردت الجماعة عتابا مشوبا بالحسرة، فخاطبت الحركة الحاكمة في غزة قائلة: "غزونا بني صهيون في عقر دارهم ورجعنا لأهلينا سالمين غانمين.. فقتلوا علي أيديكم (...) تحت بند أننا قاعدة وتكفيريين"، نافية الاتهام "لم نكفر أحد، ولسنا تبعاً للقاعدة".
هي حلقة إذاً من (الفتنة) التي تجري الآن على أشدها بين إسلاميين، في عديد من بقاع العالم في (الصومال والعراق وباكستان) وهم أول ضحاياها... ومهما كان حجم ودور العامل الخارجي في إشعالها فهم وحدهم المطالبون إلى الإسراع لتداركها وتفادي أثرها البعيد والقريب على دعوتهم، والرسالة التي يحملوها، قبل أن يتهم الإسلام بهم، أو يتخذ المتربصون هذه الأحداث ذريعة لمزيد من الإجرام والاستعداء في حقهم